منتديات روافد الحريه***( ثوره على ضفاف النيل )
منتديات روافد الحريه***( ثوره على ضفاف النيل )
منتديات روافد الحريه***( ثوره على ضفاف النيل )
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات روافد الحريه***( ثوره على ضفاف النيل )

ثقافىاجتماعى
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا بكم فى منتديات روافد الحريه
وقوله تعالى { استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }
يا غياث المستغيثين، يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا بديع السماوات و الأرض، يا عزيز ، يا من يجيب المضطر إذا دعاه ... والمريض يدعو الله بنحو : يا رحمن يا رحيم يا شافي يا عافي اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما...
هُوَ اللهُ الذي لا إله إلا هُوَ عالمُ الغيب والشهادة هو الرحمان الرحيم. هُوَ اللهُ الذي لا إله إلا هُوَ المَلك القدوس السلام المُؤْمِنُ المُهَيمن العزيزُ الجبارُ المتكبرُ سُبْحَانَ الله عما يُشِركون. هُوَ الله الخالق البارئ المُصَور له الأسماء الحُسْنى يُسَبّحُ له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم(
قـُـِل اللهُمَّ مالكَ المُلكِ تؤتي المُلكَ مَنْ تشاءُ و تنزعُ المُلكَ مِمن تشاء و تُعِز مَن تشاءُ و تُذل من تشاء بيدك الخيرُ إنك على كل شيء قدير. تولجُ الليلَ في النهار وتولجُ النهارَ في الليل و تُخرج الحَيَّ مِنَ المَيّت وتُخرج المَيّتَ مِنَ الحَي وترزق مَنْ تَشاءُ
اللهم صَلِّ على محمد و أزواجه و ذريته كما صليت على آل إبراهيم و بارك على محمد وأزواجه و ذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد

 

 منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
aamb_a2000




عدد المساهمات : 48
تاريخ التسجيل : 02/03/2011

منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم. Empty
مُساهمةموضوع: منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم.   منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم. I_icon_minitimeالخميس مارس 03, 2011 5:05 pm


المطلب الأول: منهجهم في الاتباع.
بعث الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة الجامعة الخاتمة ألا وهي رسالة الإسلام التي ارتضاها عز وجل لتكون دينا ومنهاجا، يسير عليه الجن والإنس في حياتهم الدنيا حتى يتم لهم صلاح معاشهم الذي هم فيه، ومعادهم الذي سيصيرون إليه.
ولقد شاء تبارك وتعالى أن يجعل لهذه الرسالة مصدرين للتلقي هما:
1- القرآن الكريم، 2- السنة النبوية.
فالقرآن الكريم هو المصدر التشريعي الأول في الإسلام وهو كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
والسنة هي المصدر الثاني لأنها مبينة لأحكامه موضحة لإبهامه ومخصصة لعمومه ومقيدة لإطلاقه وشارحة لأحكامه وأهدافه.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كما خص بالوحي المتلو وهو القرآن الكريم كذلك خص بالوحي غير المتلو وهو السنة التي لا مندوحة عن اتباعها.
قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه". وبناء على ذلك فإن القرآن والسنة هما المنهلان العظيمان اللذان تستقي منهما الأمة المسلمة عقيدتها وشريعتها وكل ما فيه صلاح شؤونها في دنياها وآخرتها وهما المنهاج والنبراس الذي سار عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، في طاعتهم واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لاعتقادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بهذين الأصلين وحيا من عند الله عز وجل، كما أنه أمر باتباعهما والأخذ بما فيهما اعتقادا وقولا وعملا. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فهم من هذا المنطلق التزموا وتمسكوا بالقرآن والسنة وتلقوهما بالقبول والتسليم والإيمان والتعظيم فأحلوا حلالهما وحرموا حرامهما واتخذوا منهما منهجا لجميع شؤونهم وأحوالهم يرجعون إليه امتثالا لنداء الله حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
قال ابن القيم: "إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته".
ومن هذين الأصلين - الكتاب والسنة - استقى السلف المسلك القويم والمنهج السليم الذي ساروا عليه في طاعتهم واتباعهم لرسولهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وهذا المنهج يمكن تلخيصه في النقاط الرئيسية التالية:
أولا: اتباع القرآن الكريم:
فالقرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحيا بواسطة جبريل عليه السلام، والذي تولى الله سبحانه وتعالى حفظه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
كما جعله نظاما ومنهجا يهتدي به عباده المؤمنون كما قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}.
ولقد اعتنى السلف بكتاب الله عز وجل فحفظوه في صدورهم ومصاحفهم وصاروا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، وينفذون أحكامه وشرائعه جيلا بعد جيل في جميع جوانب حياتهم الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها من الأمور الدنيوية والأخروية.
كما تفرغ عبر القرون ثلة من خيارهم لدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه ومعرفة ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، والاعتبار بدعوته وقصصه، ووعظه وإرشاداته وأمثاله.
وهذا الموقف من السلف الصالح يمثل مظهرا من مظاهر التأسي والاقتداء بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما يعد تطبيقا عمليا لما أوصى به عليه الصلاة والسلام أمته حيث قال: "تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله..."
ثانيا: اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والعمل بها:
فلقد أوجب الله على العباد طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه وقد تقدم إيراد الأدلة على ذلك.
ولقد عمل السلف بما أوجبه الله تعالى فأخذوا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعملوا بها أمرا ونهيا وخبرا، فكانت أقواله وأفعاله وتقريراته هي المصدر الثاني بعد كتاب الله عز وجل الذي تستقي منه الأمة أحكامها وتشريعاتها في شتى شؤون حياتها. ويعتقد السلف أن للسنة استقلاليتها في تشريع الأحكام وهي كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام، فالأحكام التي سكت القرآن عن بيان حكمها وورد في السنة بيانها، فإن السلف يعملون بهذه الأحكام ويأخذون بها، ولا يرون أن هناك تعارضا البتة بين الأصلين.
كما يعتقد السلف أن علاقة السنة بالمصدر الأول الذي هو القرآن تسير وفق الأوجه الثلاثة التالية:
1- أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها وذلك مثل الأحاديث التي تفيد وجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانها.
2- أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له، وذلك مثل الأحاديث التي فصلت أحكام وهيئات الصلاة والصيام والحج والبيوع والمعاملات التي وردت مجملة في القرآن، وهذا القسم هو أغلب ما في السنة وأكثرها ورودا.
3- أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن على إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه، كالأحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وأحكام الشفعة وغير ذلك.
فالسنة الصحيحة لا تخرج عن هذه الضوابط، كما أنها لا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله التي أمر الله بها على جهة الاستقلال فقال تعالى : {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} فهذه الطاعة المأمورون بها هي طاعة مختصة به صلى الله عليه وسلم، ويجب علينا العمل بها.
فالسلف يؤمنون "بأن الله سبحانه نصَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم منصب المبلغ المبين عنه، فكل ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه، ولا فرق يين ما يبلغه عنه من كلامه المتلو ومن وحيه الذي هو نظير كلامه في وجوب الاتباع، ومخالفة هذا كمخالفة هذا.
فعلى سبيل المثال فإن الله أمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان، ثم جاء البيان عن رسوله صلى الله عليه وسلم بمقادير ذلك وصفاته وشروطه، فوجب على الأمة قبوله، إذ هو تفصيل لما أمر الله به، كما يجب علينا قبول الأصل المفصل، وهكذا أمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله، فإذا أمر الرسول بأمر، كان تفصيلا وبيانا للطاعة المأمور بها، وكان فرض قبوله كفرض قبول الأصل المفصل، ولا فرق بينهما، والبيان من النبي صلى الله عليه وسلم على أقسام:
أحدها: بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيا.
الثاني: بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك كما بين أن الظلم المذكور في قوله {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} هو الشرك وأن الحساب اليسير هو العرض وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض الليل وسواد النهار.
الثالث: بيانه بالفعل كما بين أوقات الصلاة للسائل بفعله.
الرابع: بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن فنزل القرآن ببيانها، كما سئل عن قذف الزوجة فجاء القرآن باللعان ونظائره.
الخامس: بيان ما سئل عنه بالوحي وإن لم يكن قرآنا، كما سئل عن رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بالخلوق فجاء الوحي بأن ينزع عنه الجبة ويغسل أثر الخلوق.
السادس: بيانه للأحكام بالسنة ابتداءً من غير سؤال، كما حرم عليهم لحوم الحمر، والمتعة، وصيد المدينة، ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وأمثال ذلك.
السابع: بيانه للأمة جواز الشيء بفعله هو له، وعدم نهيهم عن التأسي به.
الثامن: بيان جواز الشيء بإقراره لهم على فعله وهو يشاهده، أو يعلمهم يفعلونه.
التاسع: بيانه إباحة الشيء عفوا بالسكوت عن تحريمه وإن لم يأذن فيه نطقا.
العاشر: أن يحكم القرآن بإيجاب شيء أو تحريمه أو إباحته ويكون لذلك الحكم شروط وموانع وقيود وأوقات مخصوصة وأحوال وأوصاف، فيحيل الرب سبحانه وتعالى على رسوله في بيانها كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فالحل موقوف على شروط النكاح وانتفاء موانعه وحضور وقته وأهلية المحل".
ومن هذا المفهوم والتصور الواضح لأهمية السنة ومكانتها ودورها في التشريع انطلقت أفعال السلف مترجمة لهذا التصور فكان من تلك الأفعال أن اعتنى السلف بالسنة فتضافرت جهود العلماء من لدن الصحابة والتابعين على حفظ السنة والعناية بها وصيانتها فحظيت منذ ذلك الحين بسياج من الحماية منقطع النظير، وقد اتبع الصحابة في ذلك كل سبيل يحفظ للسنة نورها وصفاءها، وكان من ذلك التحري والتثبت في روايتها خشية الوقوع في الخطأ وخوفا من أن يتسرب إليها التصحيف والتحريف، بل إن بعضهم فضل الإقلال من الرواية. قال ابن قتيبة: "كان عمر شديد الإنكار على من أكثر الرواية أو أتى بخبر الحكم لا شاهد له عليه، وكان يأمرهم بأن يقلوا من الرواية يريد بذلك أن لا يتسمع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي. وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة".
ولقد تبعهم من بعدهم من التابعين ومن بعدهم على ذلك.
وكما احتاط السلف في التحديث احتاطوا وتثبتوا كذلك في قبول الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الذهبى: "كان أبو بكر رضي الله عنه أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال: لا أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس. فقال: هل معك غيرك؟، فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه".
واستشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة.
فقال عمر: ائتني بمن يشهد معك. قال فشهد له محمد بن مسلمة.
وحدث لعمر مثل هذه الحادثة مع كثير من الصحابة منهم أبي بن كعب وأبو موسى وفي رواية: قال عمر لأبي موسى: "أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعن علي رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني عنه غيري استحلفته فإذا حلف لي صدقته ..."
وهذا التثبت من الصحابة رضوان الله عليهم كان الحامل لهم عليه هو ألا يسترسل الناس في رواية الحديث ويتساهلوا فيه من غير تحر وتثبت كاف فيقعوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث شعروا أو لم يشعروا، ويدلك على ذلك قول عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعرى: "أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وهذه الشواهد عن ثلاثة من الخلفاء الراشدين تترجم حرصهم وجهودهم في المحافظة على السنة بأن لا يشوبها ما ليس منها.
وقد تتابعت الجهود من الصحابة ومن جاء بعدهم على حفظ السنة وحمايتها إلى أن قعدت القواعد ووضعت الضوابط التي يعرف بها قوة الحديث أو وهنه وكان من تلك الضوابط علم إسناد الحديث فقد اعتني بهذا الجانب منذ وقت مبكر، واهتم به العلماء حتى جعلوه من الدين قال عبد الله بن المبارك: "الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، وقال: "بيننا وبين القوم قوائم" يعني الإسناد.
ولقد اشتغل علماء الحديث بنقد الرواة وبيان حالهم ومن تقبل روايته ومن لا تقبل من خلال دراسة الراوي سيرة وتاريخا ومعتقدا وسلوكا، ولم تأخذهم في ذلك لومة لائم، وقد قيل ليحي بن سعيد القطان: " أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟، فقال: لأن يكون هؤلاء خصمي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لِمَ لَمْ تذُبَّ الكذب عن حديثي".
وهذه لمحة وإشارة لما بذله السلف من جهود في حفظ السنة والذب عنها لتبقى منهلا صافيا تستقي منه الأمة أمور دينها ودنياها وآخرتها حتى يتحقق لها اتباع رسولها محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله بالاقتداء به والسير على نهجه والطاعة له في كل ماجاء به صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: ثم يلي الكتاب والسنة: فيما يجب التسليم له من أصول ما كان في معناهما بدليل جامع والمراد بذلك الإجماع والقياس الجلي الذي لا يصادم النص الشرعي.
قال الشافعي: "الحجة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق الأئمة".
وقال أيضا: "والعلم طبقات، الأولى: الكتاب والسنة الثابتة ثم الإجماع فيما ليس في كتاب ولا سنة.
الثالثة: أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة.
الرابعة: اختلاف الصحابة.
الخامسة: القياس".

المطلب الثاني: محاربة السلف لما يناقض الاتباع.
من الأمور التي سار عليها السلف في طاعتهم واتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوها منهجا لهم في الاتباع محاربتهم لذلك الثالوث الخطير المتمثل في البدعة والتقليد، والرأي.
فالسلف يعدون ذلك الثالوث مرضا خطيرا متى استشرى وانتشر في الأمة فإنه يفتك بعقيدتها وما هي عليه من الاتباع والسنة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما من عام إلا والناس يحيون فيه بدعة ويميتون فيه سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن".
وعن جابر بن زيد أن ابن عمر لقيه في الطواف فقال: "يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر".
وهذه النصوص الثلاثة المنقولة عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصور عظم خطر تلك الأمور على الأمة كما تصور حرصهم على تحذير الأمة من خطرها وشرها الذي يهدد عقيدتهم وماهم عليه من الاتباع والسنة.
أ- محاربتهم للبدعة:
فأول تلك الأمور وأشدها خطرا على الأمة "البدعة" فالابتداع في الدين قد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"
وقال: "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
كما بين حكم البدعة بقوله: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ومع وقفة تأمل لما ورد في هذه الأحاديث نلمس الأمور التالية:
ففي الحديث الأول والثاني وصف صلى الله عليه وسلم البدعة بكونها ضلالة وانحرافا عن الطريق والصراط المستقيم الذي رسمه صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة والذي أوجب الله علينا اتباعه فيه. فالبدعة في الدين طريق غواية وضلال يجب الحذر منه والبعد عنه وهي إضافة إلى ذلك فإنها مخالفة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحاربة لما جاء به من الهدى والنور إذ الوقوع في هذا المزلق الخطر الذي هو "البدعة" يترتب عليه أمور خطيرة منها الطعن في الدين لأن لسان حال المبتدع يقول إن الشريعة لم تتم وإنه بقي منها أشياء يجب استدراكها، لأنه لو كان معتقدا لكمالمها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولم يستدرك عليها.
وإضافة إلى ذلك فإن المبتدع معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه خاصة وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها وأن الشر في تعديها إلى غير ذلك. فالمبتدع بحاله تلك يزعم أن ثم طرقا أخر وليس ما حصره الشارع بمحصور ولا ما عينه بمتعين، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع أنه علم ما لا يعلم الشارع وأحاط بما لم يحط به وهذا هو بعينه الضلال المبين الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم البدعة به حين قال: "وكل بدعة ضلالة".
ومع هذا وذاك فقد تجعل البدعة مع مرور الزمن ونتيجة لانتشارها بين الناس من الدين، فتصبح سنة يستنون بها وبخاصة العوام منهم الذين اعتادوا على التقليد والأخذ بكل ما هو منتشر بين الناس. بينما في الوقت نفسه تصبح السنن لغرابتها والجهل بها بدعا وهذا هو الحال في كل زمان ومكان انتشرت وعمت فيه البدع وقل فيه العلماء بأمور السنة.
وأما الحديث الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فهو حكم صريح على كل أمر محدث مبتدع في الدين وليس له أصل في الشرع بالرد وعدم القبول ولاشك أن هذا الحكم بتر لكل ما هو مبتدع في دين الله وشرعه، وإسقاط له. إضافة إلى كونه حماية لشرع الله من كل ما يخل به.
ولقد اتخذ السلف من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن قواعد ساروا عليها في سبيل محافظتهم على السنة وصيانتها من شوائب البدع وشرورها. وإن المتأمل للنصوص الورادة عنهم في هذا الخصوص يلمس مدى حرصهم وتطبيقهم للتوجيهات النبوية التي تلقوها عن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".
وعنه أنه رأى أناسا يسبحون بالحصا فقال: "على الله تحصون لقد سبقتم أصحاب محمد علما أو لقد أحدثتم بدعة ظلما".
وعنه أنه قال: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة". وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "أخوف ما أخاف على الناس اثنتان أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون، وأن يضلوا وهم لا يشعرون".
قال سفيان: هو صاحب البدعة.
وكان حذيفة رضي الله عنه يدخل المسجد فيقف على الخلق فيقول: "يا معشر القراء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني. فقيل: كيف؟، فقال: والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه".
وعنه رضي الله عنه أنه قال: "عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "أوشك قائل من الناس يقول: قد قرأت القرآن ولا أرى الناس يتبعوني، ما هم متبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدُع فإن كل ما ابتدُع ضلالة".
وعنه أنه قال: "أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع ألا وإن رفعه ذهاب أهله، وإياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم بأمركم العتيق".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".
وعن الحسن البصري قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا صياما وصلاة إلا ازداد من الله بعدا".
وعنه قال: "لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك".
وعن أيوب السختيانى أنه كان يقول: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا".
وعن سفيان الثوري قال: "من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره. وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله في النار. وإما أن يقول والله ما أبالي ما تكلموا وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه".
وقال: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها".
وعن أبي قلابة أنه قال: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون".
وبعد: فما نقلته ههنا يعد جزءا يسيرا جدا مما ورد عن السلف من نصوص في الحث على ترك الابتداع في الدين والتحذير من مخاطره ومغبة الإقدام عليه وموقفهم من أهله، فلقد اشتد نكير السلف على البدعة وأصحابها والمجال هنا لا يتسع للاستفاضة في هذا الموضوع، وبما ذكر يحصل المقصود.
ب- محاربتهم للتقليد:
وأما الأمر الثاني من الأمور التي تشكل خطورة على الاتباع والسنة في رأي السلف فهو "التقليد" والفرق بينه وبين الاتباع أن التقليد: هو الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه.
وأما الاتباع: فهو ما ثبت عليه الحجة.
فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده. وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه.
والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع.
والتقليد الممنوع على ثلاثة أشكال:
أحدها: الإعراض عما أنزل الله وعدم الالتفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء أو المشايخ.
الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله.
الثالث: التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد.
ولقد حارب السلف هذا النوع من التقليد وذموه واعتبروه مزلقا خطيرا يحرف المسلم وينحيه عن المنبع الذي يستمد منه دينه، ويجعله عرضة لكل بدعة، ومنقادا لكل شبهة، وتبعا لكل ناعق وإضافة إلى ذلك فإن التقليد له صلة وثيقة بالبدعة فالبدعة تؤخذ في غالب الأمر تقليدا لشيخ يعظم أو والد يحترم أو مجتمع تقدس فيه عاداته، ولذلك كان التقليد والابتداع سببين رئيسيين في ضلال الأمم وانحرافها عن منهج أنبيائهم.
وقد حكى الله في كتابه العزيز عن بني إسرائيل أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها من الأصنام مقلدين في ذلك من مرّوا عليهم من عباد الأصنام قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، كما ذكر سبحانه أن ما وقع فيه اليهود والنصارى من الكفر بقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله إنما هو نتيجة التقليد لمن قبلهم من الوثنيين قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
كما ذم سبحانه صنيع اليهود والنصارى مع علمائهم حيث قلدوهم في جميع ما يقولون، فأحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
كما ذم سبحانه وتعالى من امتنع عن قبول الحق تقليدا للآباء فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجلا فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة، لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أخاف على أمتي من بعدي إلا من أعمال ثلاثة"، قالوا: وما هي يارسول الله؟، قال: "أخاف عليهم زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع"، ومن المعلوم أن الخوف من زلة العالم تقليده فيها، إذ لولا التقليد لما يخف من زلة العالم على غيره.
قال ابن القيم: "والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولابد إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله وينزل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله، وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولابد فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولابد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه، فالخطأ واقع منه ولابد".
قال الشعبي: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يفسد الزمان ثلاثة: أئمة مضلون، وجدال منافق بالقرآن، والقرآن حق، وزلة عالم"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ويل للأتباع من عثرات العالم". قيل: وكيف ذاك يا أبا العباس؟، قال: "يقول العالم من قبل رأيه، ثم يسمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدع ما كان عليه" وفي لفظ: "فيلقى من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيخبره فيرجع ويقضي الأتباع بما حكم".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر".
قال ابن القيم: "والفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم وإهدارأقوال العلماء وإلغائها: أن تجريد المتابعة أن لا تقدم على ما جاء به قول أحد ولا رأيه كائنا من كان. بل تنظر في صحة الحديث أولا. فإذا صح لك نظرت في معناه ثانيا، فإذا تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب، ومعاذ الله أن تتفق الأمة على مخالفة ما جاء به نبيها بل لابد أن يكون في الأمة من قال به ولو لم تعلمه فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله بل اذهب إلى النص ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعا ولكن لم يصل إليك. هذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتهم واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه فهم دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة ولكن لا يوجب هذا إهدار النصوص وتقديم قول الواحد منهم عليها بشبهة أنه أعلم بها منك، فإن كان كذلك فمن ذهب إلى النص أعلم به منك أيضا فهلا وافقته إن كنت صادقا؟.
فمن عرض أقوال العلماء على النصوص ووزنها، وخالف منها ما خالف النص لم يهدر أقوالهم ولم يهضم جانبهم بل اقتدى بهم فإنهم كلهم أمروا بذلك فمتبعهم حقا من امتثل ما أوصوا به لا من خالفهم، فخلافهم في القول الذي جاء النص بخلافه أسهل من مخالفتهم في القاعدة الكلية التي أمروا بها ودعوا إليها من تقديم النص على أقوالهم.
ومن هنا يتبين الفرق بين تقليد العالم في كل ما قال وبين الاستعانة بفهمه والاستضاءة بنور علمه.
فالأول يأخذ قوله من غير نظر فيه ولا طلب لدليله من الكتاب والسنة بل يجعل ذلك كالحبل الذي يلقيه في عنقه يقلد به ولذلك سمي تقليدا. بخلاف من استعان بفهمه واستضاء بنور علمه في الوصول إلى سنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإنه يجعلهم بمنزلة الدليل إلى الدليل الأول فإذا وصل استغنى بدلالته على الاستدلال بغيره فمن استدل بالنجم على القبلة فإنه إذا شاهدها لم يبق لاستدلاله بالنجم معنى.
قال الشافعي: "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد".
ج- محاربتهم للرأي الباطل:
وأما الأمر الثالث من الأمور التي يرى السلف أنها تناقض الاتباع وتضاده فهو "الرأي".
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون"، والمقصود به هو الرأي الباطل الذي ليس من الدين، لأن الرأي ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- رأي باطل بلا ريب.
2- رأي صحيح.
3- رأي هو موضع الاشتباه.
والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف، فاستعملوا الرأي الصحيح وعملوا به وأفتوا به، وسوغوا القول به. وذموا الباطل ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله.
والقسم الثالث: سوغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحدا العمل به، ولم يحرموا مخالفته ولا جعلوا مخالفته مخالفا للدين، بل غايته أنهم خيروا بين قبوله ورده، فهو بمنزلة ما أبيح للمضطر من الطعام والشراب الذي يحرم عند عدم الضرورة إليه.
والحديث ههنا يتناول الرأي الباطل فقط وهو على أنواع:
أحدها: الرأي المخالف للنص، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه، ولا تحل الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد.
الثاني: هو الكلام في الدين بالخرص والظن، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، فإن من جهلها وقاس برأيه فيما سئل عنه بغير علم، بل لمجرد قدر جامع بين الشيئين ألحق أحدهما بالآخر أو لمجرد قدر فارق يراه بينهما يفرق بينهما في الحكم، من غير نظر إلى النصوص والآثار، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل.
النوع الثالث: الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن ضاهاهم، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة، فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم، ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلا، فقابلوا النوع الأول بالتكذيب، والنوع الثاني بالتحريف والتأويل، فأنكروا لذلك رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وأنكروا كلامه وتكليمه لعباده، وأنكروا مباينته للعالم، واستواءه على عرشه وعلوه على المخلوقات، وعموم قدرته على كل شيء، بل أخرجوا أفعال عباده من الملائكة والأنبياء والجن والإنس عن تعلق قدرته ومشيئته وتكوينه لها، ونفوا لأجلها حقائق ما أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله، وحرفوا لأجلها النصوص عن مواضعها وأخرجوها عن معانيها وحقائقها بالرأي المجرد الذي حقيقته أنه زبالة الأذهان ونخالة الأفكار وعفارة الآراء ووساوس الصدور فملؤوا به الأوراق سوادا والقلوب شكوكا، والعالم فسادا.
وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد، فلا إله إلا الله كم نفي بهذه الآراء من حق، وأثبت بها من باطل، وأميت بها من هدى وأحيي بها من ضلالة؟ وكم هدم بها من معقل للإيمان، وعمر بها من دين الشيطان؟ وأكثر أصحاب الجحيم هم أهل هذه الآراء الذين لا سمع لهم ولا عقل بل هم شر من الحمر، وهم الذين يقولون يوم القيامة {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
النوع الرابع: الرأي الذي أحدثت به البدع، وغيرت به السنن وعم به البلاء، وتولى عليه الصغير وهرم فيه الكبير.
فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه لإخراجه من الدين.
ومما ورد عن السلف في ذم الرأي الذي من هذا القبيل ما يلي:
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم".
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "اتقوا الرأي في دينكم".
وروي عنه كذلك قوله: "أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سُئلوا أن يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم".
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قال بعد ذلك برأيه فلا أدري أفي حسناته يجد ذلك أم في سيئاته".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "لا يأتي عليكم عام إلا هو شر من الذي قبله، أما إني لا أقول أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم".
ومما ورد كذلك من الآثار عن التابعين ما يلي:
قول الشعبي: "ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوه، وما كان رأيهم فاطرحوه في الحش".
وعن ابن شهاب الزهري قال: "دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي".
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الناس: "أنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فهذه الأقوال عن أولئك الأئمة من الصحابة والتابعين أجمعت على إخراج الرأي عن العلم وذمه والتحذير منه والنهي عن الفتيا به، فرضي الله عن أئمة الإسلام وجزاهم عن نصيحتهم خيرا، ولقد سلك سبيلهم أهل العلم والدين من أتباعهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
منهج السلف في اتباعه وطاعته صلى الله عليه وسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  علامات محبته اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم
» إن الدارس لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستلف نظره ذلك التوازن الدقيق بين معالمها مما لا يمكن أن تجده في أي بشر سواه، هذا التوازن - الذي يعد من أبرز دلائل نبوته - يتمثل في الكم الهائل من الشمائل ومحاسن الأخلاق التي اجتمعت في شخصيته صلى الله عليه
» توقيره صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضوان الله عليهم
» الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم
» مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات روافد الحريه***( ثوره على ضفاف النيل ) :: اعرف نبيك-
انتقل الى: